عبدالمجيد الزهراني
عبدالمجيد الزهراني
-A +A
حوار: عبدالله عبيان
يفجر الشاعر عبدالمجيد الزهراني بقصائده وآرائه جدلا واسعا في المشهد الثقافي، إذ إنه يمتاز بالجرأة الواعية ولا يعترف بالدبلوماسية المهادنة. كتب الشعر الحقيقي منذ بدايات ظهوره الإعلامي وأخلص لتجربته، فقال عنه فهد عافت الكثير من موشحات المديح، إلا أن رأي عبدالمجيد في عافت من خلال حواره مع «عكاظ» كان مختلفا، إذ يرى بأن عافت أفلس شعريا وانجرف خلف لعبة المال والمصالح وأصبح مجرد مشجع نصراوي جميل لا أكثر.

الزهراني طرح الكثير من آرائه الجريئة في هذا الحوار، وأشار إلى أنه يعتز بلقب «شاعر الدشير»، لافتا إلى أنه يعني الطبقة البسيطة والكادحة، وقال إن مدحه للشيخ محمد العريفي جاء في سياق ظرف محدد، مبينا أنه، في الآونة الأخيرة، لم يعجبه ظهور العريفي بمظهر فراشة الضوء.


واستعاد عبدالمجيد في هذا الحوار الكثير من ذكرياته في جدة، لافتا إلى أن تجربة الشعر العامي في المملكة تجاوزت تجارب شعراء الأقطار العربية الأخرى. ولم يخف تذمره من شعراء التواصل الذين وصفهم بـ«غثاء السيل»،كما أنه شن هجوما لاذعا على الفنان محمد عبده ووصفه بـ«تاجر الشنطة»، وقال إن صوت أم كلثوم لا يطرب.. وإلى نص الحوار:

• عبدالمجيد الزهراني يملك تجربة متفردة ويحظى بمتابعة شريحة كبيرة من جماهير الشعر الحقيقي، ولكنه ما زال غائبا عن أمسيات الشعر وشاشات التلفزة وصفحات الشعر.. ما السبب وراء ذلك؟

•• لا أعرف سبباً محدداً لذلك، حتى مع ذاتي، وجهت لي العديد من الدعوات، لكن المسألة بالنسبة لي كانت مسألة مبدأ، إذ أصبحت الأمسيات شيئاً مُستهلكاً لا ميزة فيه ولا تمييز بين التجارب، إضافة إلى أن طبيعة تجربتي ونوعية النصوص، لا تقبل بجرأتها كثيرا من المنابر.

• تقول في إحدى قصائدك: «أنا شاعر للغلابا والدشير»، هل تقبل بأن يطلق عليك لقب «شاعر الدشير»؟

•• سؤال جميل، والحقيقة أنني كنت أعني الطبقة البسيطة والكادحة، وليس مفردة الدشير في مفهومها المتعلق بالسلوك. نعم أتشرف أن أكون شاعر الطبقة الكادحة بكل طيفها الواسع وما ينضوي تحتها من مسميات.

• إنسانية ولطف عبدالمجيد ووفاؤه لأصدقائه وبكائياته على محمد النفيعي وإبراهيم المرحبي (رحمهما الله)، لا تتوافق مع شخصية عبدالمجيد الذي يحمل دائما سوط التذمر ليجلد ذاته ويجلد الآخرين.. كيف تفسر ذلك التناقض؟

•• ليس في الأمر تناقض أبداً، قد أكون متذمراً أو جالداً للذات، في أمور تتعلق بقيمة الإنسان المطحون تحت عجلة الحياة بكل مغالطاتها وأقدارها وزوابعها ولحظاتها الساكنة، وتلك حالة طبيعية لأي إنسان، وفي الوقت ذاته هي النفس الإنسانية ذاتها التي تتألم على وداع أحبة ورفقاء عمر. أصدقك القول إنني أكون في أجمل حالات التوهج الشعري عندما أكون حزيناً أو منكسراً، حتى إنني أتذكر تعليقاً مضحكاً محزناً لأحد القراء بتويتر عندما قال معجباً بالمراثي التي كتبتها: «أنت تجعلنا نتمنى الموت حتى ترثينا».

• قال عنك فهد عافت قبل أكثر من 15 عاما «لا أقول لكم تذكرّوا عبدالمجيد الزهراني، بل أقول لكم حاولوا نسيانه ولن تقدروا»، صف لنا علاقتك بـ«عافت» وإلى أي مدى أنت مقتنع بهذه المقولة؟

•• هذه مقولة من عرّاب شعر، وأستاذ جيل، وهي عبارة بالتأكيد أبهجتني حين كتبها، ومازالت تبهجني كلما تذكرتها. فهد عافت قيمة شعرية ونقدية عالية، أحب فهد الشاعر الذي كان يطرب طوب الأرض، ولكن في السنوات الأخيرة لم تعد تعجبني قصائده وكذلك كتاباته وآراؤه، أشعر أن فهد لعبت في تكوينه لعبة المال والمصالح وشوّهت أجمل ما فيه. هذا رأيي طبعاً وليس مشعابي.

• هل تعني بأن عافت أفلس شعريا، ولذلك انصبّ اهتمامه أخيرا على الرياضة؟

•• من ناحية الإفلاس الشعري أظن ذلك، وصدقني (يا عبدالله) الشعر ينفر ممن يستهين بقيمته، وأظن أستاذنا فهد عافت استهان كثيراً بالشعر، ولم يعد أول اهتماماته، والشعر يُهمل من يُهمله. عافت الآن هو مشجع نصراوي جميل لا أكثر.

• بماذا تفسر غياب أكثر شعراء الثمانينات عن الساحة الشعبية، وتنصل البعض منهم عن العامي والاتجاه إلى فضاءات الرواية أو الفصيح؟

•• أفسرها تفسيراً واحداً ووحيداً، أن قواعد اللعبة تغيرت لدى الكثيرين منهم، وأن الشعر العامي لم يعد هو البوابة الوحيدة التي تفتح على الضوء والشهرة والنجومية، بل تسيدت الرواية المشهد الأدبي منذ فترة، وكذلك انتعشت رئة الشعر الفصيح أخيراً، ما جعل بعضهم يجرّب كتابة الفصيح أو الرواية، وأنا أقول البعض وليس الكل. هناك أسماء محترمة مازالت مخلصة لتجاربها مثل نايف صقر ومساعد الرشيدي ومسفر الدوسري وفهد دوحان ومحمد صلاح ومهدي بن سعيد والحميدي الثقفي، وغيرهم القليل.

• وما رأيك في الشعراء الذين ولدوا من رحم وسائل التواصل الاجتماعي وأصبحوا الآن نجوما تتزاحم عليهم الجماهير في الأماكن العامة؟

•• بكل صراحة مواقع التواصل الاجتماعي، غيّرت المقاييس بشكل واضح وكبير. الآن بإمكان أي شخص يملك قليلا من موهبة الشعر، أن يفتح له حساباً وأن يصل للناس بكل سهولة عكس ما كنا عليه نحن. أصبحت كعكة الضوء في متناول أي يد، ولكن بالرغم من هذا الفضاء المفتوح على كل شيء، فقليل من الشعراء الموجودين بمواقع التواصل من يقدمون شعراً جميلاً أو نصوصا متعوبا عليها فنياً. الأغلبية بأمانة كغثاء السيل.

• يستشهد شعراء العامية الخليجيون بتجارب شعراء العامية العرب أمثال طلال حيدر ومظفر النواب والأبنودي وسيد حجاب وغيرهم، ولكن في المقابل لا يجد شعراؤنا أي اهتمام من شعراء الأقطار الأخرى.. ما السبب من وجهة نظرك؟

••السبب يمكن اختصاره في المقولة الشهيرة: (زامر الحيّ لا يُطرب)، فمع احترامي لكل الأسماء التي ذكرتها، إلا أن لدينا في المملكة فقط شعراء عامية أهم منهم. أظن أن لإعلامنا دورا في احتفائه بالبعيد وإهماله للقريب، وهذا الإعلام يذكرني بأسطورة (عين عذاري) بالبحرين، التي تمنح ماءها للبعيد وتنسى أهلها.

• هاجمت الفنان محمد عبده، وقلت إنه حاول أن يجعل من الذائقة الفنية محلاً تجارياً يتكسّب منه، كما هاجمت أم كلثوم وقلت إنها أكبر مقلب شربته الأذن العربية.. ما الهدف من هذا الهجوم ؟ ألا تخشى جماهيرهما؟

•• بالنسبة لمحمد عبده، هو من هاجم نفسه ولست من هاجمه، من خلال تقديمه لأعمال فنية رديئة منذ فترة طويلة. الرجل ليس لديه ما يقدمه ولم يعد يهتم بقيمة أعماله ولا تاريخه، بل إن الفن أصبح بالنسبة له كُشك للتكسب، مثل أي كشك سجائر، لهذا أقول وبصوت واضح: محمد عبده تاجر شنطة أكثر من كونه فناناً. أم كلثوم قلت رأيي بها في مقال نقدي قديم، ومازلت عند رأيي، أن صوتها خشن وليس طربياً، وأن عبقرية ألحان أغانيها وعبقرية شعراء أغانيها، عوامل غطت على رداءة الصوت.

• كاتب رأي أم شاعر.. أين يجد عبدالمجيد نفسه؟ وهل أثرت كتابتك للمقال الصحفي على وجودك الشعري؟

•• أنا شاعر أولاً وأخيراً، وكتابة المقال لم تأت إلا مع الوقت، وهي ليست الأساس بالنسبة لي. الكتابة في الوطن ممتعة، وخاصة عندما كنت أكتب زاوية (نشرة نقدية)، وزاوية قديمة مجنونة اسمها (زائد ثلاثة)، كنت أمارس فيها جنوني وسخريتي في السينما والأغنية والمسرح والدراما والفضائيات، طيلة سنوات. لا أخفيك سراً أن المقالة والالتزام بها سرقني كثيراً من الشعر، ولهذا تجدني أحياناً أحاول أن أُشعرن النثر، وأتعامل مع المقالة كنص شعري لابد أن يكون به ولو جزء بسيط من الدهشة، حتى أعوض غيابي في التواصل مع الشعر. أحياناً أنجح في ذلك وأفشل أحياناً.

• قصيدتك في الشيخ محمد العريفي قوبلت بالكثير من الاستهجان وخصوصا البيت الذي تقول فيه «إذا سمحـت وبعـد اذنـك ** انـزل لرجلينـك واقبّـل».. بصراحة ما هو المبرر لتقبيل رجلي العريفي وهل ندمت على كتابة تلك القصيدة؟

••هذه القصيدة كانت في ظرف ابتهاج بموقف الشيخ العريفي تجاه الإساءة للنبي (عليه الصلاة والسلام) ودفاعه المحموم آنذاك، حين كان المنبر هو الوسيلة الوحيدة للدفاع. كنت مقتنعاً تماماً بالقصيدة، لسبب بسيط وهو أني على استعداد لتقبيل قدم كل من يدافع عن رسولنا الكريم، سواءً العريفي أو أي أحد من الناس. عموماً القصيدة لم أندم على محتواها وسببها، لكن شخصية العريفي بأمانة الآن لا تعجبني، وظهوره بمظهر فراشة الضوء.

• جدة المدينة، شهدت بدايات ظهورك الشعري والإعلامي، وكانت شاهدا على الكثير من ذكرياتك، ولكنك ابتعدت عنها، لماذا كل هذا الجفاء مع عروس البحر؟

•• جدة تحتل مساحة كبيرة من ذاكرتي ووجداني. فيها عشت أجمل أيام الانبهار المعرفي بالمكتبات ومباني الصحف، وفيها عرفت الطريق إلى الشعر، وجمال البدايات، منذ أن كنت أحمل أوراق قصائدي لمبنى صحيفة «عكاظ» لنشرها، وحتى مكتبة جامعة الملك عبدالعزيز الضخمة بالمعارف والعلوم والآداب، إلى شارع التحلية حيث مبنى النادي الأهلي وعشق قديم، إلى البحر والمولات الكبيرة، إلى أزقة جنوب جدة الهامشية الصغيرة البسيطة والمكتظة برائحة الحياة والناس. جدة هي كل ذلك في داخلي، ولكن لظروف عملي ودعتها بعد مشوار طويل من الحب والذكريات.

• هل لنا أن نختتم هذا الحوار الجميل بثلاثة مواقف، ما زالت عالقة في ذهنك من أيام بداياتك الشعرية الأولى في جدة؟

•• مواقف البدايات كثيرة، لكني أتذكر حرارة الحماس داخلنا للشعر والنشر. مازلت أذكر ارتباكي الجميل وأنا أقدم نصاً لأستاذنا هاشم الجحدلي لنشره. أتذكر لقاءاتنا (يا عبدالله) في المقاهي وسهرنا الجميل مع الشعر وحوله، كما أتذكر منزل محمد النفيعي (رحمه الله)، إذ كان مكاناً لليالي الشعر مع مجموعة كبيرة من الشعراء، ولكن وإن أعادوا لك الأماكن القديمة فمن يعيد لك الرفاق.